:::: وقفة مع الضمير ::::

كانت هيام تسترق النظر لتلك الرسالة التي التقطتها من يدي ساعي البريد ، حتى أنها لم تداري بتلك الفعلة ؛ التعدي على حقوق الغير ، كانت تلك الرسالة لأختها ! ولم تكن لها ! لكنها شعرت للحظة بأنها مرغمة على تقفي أثر تلك الكلمات ، كانت تقول في جوف روحها ، على رغم من أن أختي ذات أفكار رجعية منحدرة ، لكنها حصلت على زوج مثقف ، وكذلك وسيم ، ليست غيرة تتعالى في أغوار روحي ، إنما تلك الهواجس طالما أرغمتني على كتمان حقيقة كلامي ، كانت هيّام تردد تلك الخواطر حتى لمحت كلمات كتبت بخط أنيق يدل على حسن الذوق ، أخذت تسخر في بادئ الأمر مما أعترى في بداية الرسالة ، لأنه ابتدأ بذكر تلك الآية الشريفة " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين " لكنها سارعت بتجاهل الكلمات وكأنها اخترقت نوافذ روحها ، لتخبرها بأن ما تقدم على فعله لأمر جلل ، ثم قرأت تلك الكلمات ...
بعدما طوح الوقت تلك الأوقات العصيبة زوجتي الحبيبة نقاء ، أردت أن أفهمك عن مدى شوقي إليك ، لأني وفي بادئ أمري وأختي تحدثني عنكِ كل الخير وتستشف فيكِ كل البر ، شعرت بشعاع الأيمان يضارع روحي الملتاثة بظلال الحيرة ، ولكنها انبرت بعدما وجدتكِ وحصلت عليك ، حصلت على " نقاء " أنت نقاء القلب وأغنية الرياح وتغريدة الشحرور فوق الأغصان ، فما أجمل صدقك ونبلكِ وحجابكِ ...
قرأت هيام تلك الكلمة فعلى وجها أتقاد مشحون بسخرية عميقة ، ياترى كيف يظن رجل مثقف بأن جحاب المرأة فكرة مستفيضة من الروحانية ، لماذا يقيدون الرجال نسائهم .. لماذا .؟ شعرت هيام أنه لا بد لها من الرد على ذلك الخطيب صاحب الأفكار الشعواء بحزم !!، مسكت قلمها وهي تفكر ساعة بأختها التي قد تطال رياح غيرتها جل مستقبلها ، وأن تصرفها هذا قد يبدد النور من حياتها ، لكن ضميرها كان يؤنبها، وضعت الورقة وقبيل أن تكتب قالت ، كنتِ دوما تهدمين أحلامي ، وتنزعين احلامي ، ولكنكِ لست أفضل مني ، أرادت فعل ذلك لكنها لم تستطع ، وقفت تطيل النظر في المرآة ثم سكبت دمعة سخينة من مؤق عيونها جعلتها تستيقظ مما تنوي القيام به ، ذهبت إذ ذاك إلى أختها نقاء ، دخلت غرفتها ، لتبتسم نقاء ابتسامة معبرة عن مشاعر حقيقية وعيون مملؤة بالبراءة ، مرحبا حبيبتي هيام هل هناك شيء أزعجك ؟
صمتت هيام ثم ردت، أردت أن أفهم لما المرأة مقيدة بالحجاب ، إليست تلك أفكار مقتسبة من الأعاجم ؟ لما يحكم علينا بذلك ؟ فردت نقاء بصوت أعذب من نغمة الناي
في البدء دعيني أرد على البهتان الذي وضعتيه في حق ديينا المبجل
إذ إن الحجاب وجب على المرأة قبل إن يتم فتح بلاد فارس ، ولسوف تجدي تلك الآية تصرح " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ "
فمتى كان ذلك سمة الرجعية النكراء ؟؟ أوليس في الحجاب حفظ وصون للمرأة بدل جعلها الهدف الأساسي لشهوات الناس أجمع ، أنت تعلمين
بأن الكبت أو تفجير الغرائز كلاهما مضر بالمجتمع ، وتدركين معي كم يسبب أمراض نفسية وعصبية متلاحقة، فكيف لنا أن نحفظ المجتمع من أدران الآفات المتشبثة بأفكار البعض ؟
إنما الحجاب يا حبيبتي هو قبس من نور يجعلك كالشمس المشرقة في الظلام ،هو من يجعلك تنالين الرفعة ، يجرك من أقصى بقاع الحرمان ، ليمنحك الحرية التي تتمنيها ، هو يتمناك كما تتمنى الحبيبة نظرة من حبيب مسافر ، كان الكلام ينفذ إلى قلب هيام التي تشعر بالذنب ، لأنها كانت تود الإقدام على أبشع الأفعال بينما راحت أختها تخاطبها بحنو ، فتساقط الدمع من عيونها ، مترتمية بحضن أختها ، إصاب نقاء ببعض من القلق لكنها سرعان ما قبلتها على جبيبنها وقالت ، ما بك حبيبتي لما تبكين ، فردت هيام كنت أفكر بهدم حياتك لكني لم إستطع ، فشاهدت نقاء رسالة خطيبها في يدها ، فعرفت لما تألمت هيام ، فهمت تردد ، لا عليك أخيتي ونور قلبي ، أنت لم تؤذيني فلست ناقمة منك ، لا بل أنا سعيدة بكونك فضلت الصمود وجئت تخبريني بما يعتمر قلبكِ ، حبيبتي كلنا معرضون للأخطاء ، فهوني عليك ، لما تحملين نفسك كل هذا الحزن ، لا تبكين فأنتِ تؤلميني .. مسحت هيام دموعها وهي تحدق بوجه أخته الطاهرة النقية ، وقالت هل أستطيع أن أرتدي حجابك منذ الآن ؟ فردت نقاء ، أنه هدية لك حبيبتي .. وقفت الأختان أمام المرآة وارتدت هيام الحجاب ، فقالت نقاء يا ياربي كم أنت جميلة بتلك الأبراد ، أنظري كيف جعل الله قلبك يخفق بالنور .. وأنظري إلى منظرك المقدس والحجاب يشيع فيك جلباب الخلود واسمال القديسين .