الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإنَّ
شخصية الأمة الإسلامية وهويتها وتاريخها وحضارتها مصدرها القرآن العظيم،
فهو الذي كونها، وأخرجها للناس، وصبغها بصبغته، ووجها في التاريخ وجهته.
فالقرآن
جاء بتصور جديد للإنسان ومكانته في الوجود، وأسس ذلك كله على "التوحيد"
الذي هو محور القرآن، ولبه، ونوره الذي يشع من آياته وسوره صافيا وهاجا.
فكان
القرآن بحق رسالة موجهة للإنسانية قاطبة,وللشباب خاصة، لترقية العقل،
والقلب، والذوق، ونظام حياة الإنسان الفردية والاجتماعية، ودعوته لتحقيق
مصيره في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
فإذا تصورنا كتابا أوجد أمة،
وأخرج ثقافة ووجه التاريخ وجهة جديدة فهو القرآن، {إن هذا القرآن يهدي
للتي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا
كبيرا}1كما يلحظ من تأمل سجلات التاريخ وقلب صفحاته، أنه لا عزة ولا رفعة
للشباب إلا في ظل التربية على هذه المائدة، والأخذ من هذا المنهل الصافي
العذب، لأن الخيرية مرهونة به (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) والعاكفون
عليه محصنون من جميع الأمراض الحسية والمعنوية{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ
مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ
إَلاَّ خَسَارًا}2، لأنه الحصن الحصين والسد المنيع، من أمراض الشهوات،
وغزو الشبهات والشعوذة والخرافات{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ
اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُؤْمِنُونَ }3
يوم تربى عليه أسلافنا وصحابة نبينا والشباب من
الرعيل الأول فتحوا البلاد وقلوب العباد وعبروا الأقطار وتجاوزوا الأمصار
وشهدت لهم المعمورة وأشاد بذكرهم التاريخ وأعلنت بمواقفهم منائر الكون،
فخاطبوا اليابس والأخضر كما قال عقبة بن نافع بعد أن وقف راكبا على فرسه
شاهراً سيفه على شاطئ المحيط الأطلنطي " يا بحر والله لو أعلم أن خلفك
أرضاً لم تبلغها لا إله إلا الله لخضتك بفرسي هذا حتى أبلغها لا إله إلا
الله"
ولن يترقى شبابنا إلا بهذا الكتاب، لان ترقية القرآن للشباب
تتميز بالشمول، فهي ترقية لصحته {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}4، ولفكره
وذوقه وتصرفه، ليحقق إنسانيته الكاملة في أعلى درجاتها، وأسمى صورها.
إذا
لابد من تربية شبابنا تربية قرآنية أصيلة لأنها هي الكفيلة بأن ترفع شتاته
إلى مستوى الحضارة والمشاركة فيها بالعلم والقيم، وسمو الهمم، وإخراجه من
ظلمات الفقر والجهل والضعف إلى نور القيم والغنى والعلم والعزة،ومن عبادة
المنافع المادية والرغبات الذاتية، ومن ظلمات الظلم والاستبداد إلى الحرية؛
فإن القرآن يدعو إلى التحرر من كل هذه الظلمات وألوان الفساد للتمتع
بالعدل والخير والحق والنور في هذه الحياة.
أيها الشباب الأنفاس
تكتب عليكم، والمنايا تزف إليكم، المقاهي بكم معمورة والمساجد منكم مهجورة،
هل نسيتم أنكم أبناء صلاح الدين، وسلالة العابدين، وأحفاد المجاهدين،
وحدوا الديان، وعودوا إلى القرآن، فهو نعم الأمان.
شباب الحق للإسلام عودوا فأنتم مجده وبكم يسودوا
وانتم سر نهضـته قديمـا وانتم فجره الباهي الجديد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والحمد لله رب العالمين .
1 - الإسراء9.
2 - سورة الإسراء (82).
3 - سورة التوبة(51).
4 - الأعراف/31.